الأحد، 14 أكتوبر 2018

نصف الحب


إهداء إلي...
الكاتبة الصحفية لمياء يسري...
قد لا تكون أجود ما كتبت,لكنها ستظل دوماً مدينة لها بوجودها...ربما أكثر مني.
ذكري كلمات مخلصة أذابت اليأس,وخلقت حماسة ظننتها تاهت في زحام الحياة.

نصف الحب

من فرجة الباب الموارب تبدي له قوامها المشدود بارز الانحناءات,وهي تتجلد في حمل جدها لكرسيه المدولب,تنحنح ودق عالباب,دخل لمساعدتها ووجيب قلبه يعلو باطراد حتي خيل له أن الشارع كله سيسمعه بعد قليل,بيدين ثابتتين وقلب رفراف أمسك العجوز ووضعه حيث أرادت,وتأمل فيه للحظات ولدت في خاطره آلاف الأفكار...هكذا يكون الواحد منا في أرذل العمر,جيفة تتحلل وهو فوق الأرض,تائه وسط ضجيج الحياة,وتخيل نفسه يعيش حتي التعسين وتمني ألا يصلها,بل يموت خفيفاً كما جاءت ولادته بدون شعور كما تحكي أمه,يود أن يموت هكذا بلا ألم ولا معاناة وهو واقف علي قدميه,لا يحتاج لمخلوق.
-تعبتك معي يا عادل!
-تعبك راحة يا شوشو...نحن جيران وأسرة و...
لغة العيون بينهما تغنيه عن أي قول,تعرف شروق جيداً كم يتوله بها حباً,ويعرف إلي أي حد تتمناه,هناك حجاب ملغز كحجاب رأسها الذي لا يفهم سببه,فاتحها أكثر من مرة في خلعه,فوجدها مرحبة:
-بحثت كثيراً ولم أجد له أصل إلا أصول تجارة الدين,وتصنيف الشعب ,وهجمات الجماعات المتطرفة وفرض سطوتها...لكن في بلدتنا لا يوجد رأس فتاة حر!ماذا سيقول الناس؟!
-كل الرؤوس مكبلة,والألسنة طليقة تهرف بكل الهراء المقدس في ذات الرؤوس.
هل هو الحب أم نصف الحب؟الماديات في يديه سهلة وشروق قلبها مفتوح والطريق ممهد,لكن ما بال القرار متردد ثقيل علي قلبه,تعرف علي بنات أخريات وشعر معهن بالوحدة,في كل واحدة يبحث عن شروق,كاغترار الإنسان بالصور ملهياً عن الأصل,لم يجد في إحداهن هذه البشرة الصافية والملامح البريئة والابتسامة المحتضنة,الادعاء والتمثيل المفضوح والعيش في عالم أميرات ديزني الوهمي,في منتصف العشرين لكن العقل ابن العاشرة,أكثر ما أحبه في شروق الوضوح تخطئ وتزعق وتداعب بقسوة أحياناً ومرة تجشأت بدون وعي!إنسانة من لحم ودم لا صناعة سينمائية رخيصة,جميلة هي كترعة المحمودية والقمر يطل عليها كأنه ينبعث من قرارها,فاتنة كمحطة القطار الهادئة وقت الأصيل,طبيعية كشارع الصاغة وهو يشغي بشتي خلق الله,أصيلة وحكيمة وعجوزة الروح كدمنهور,أم البدايات والشاهدة علي النهايات.
أخرجا الكرسي من الشقة ونزلا به من الدور الثالث,تشاكست قطتان وجريتا خلف بعضهما,ففزع عادل واستعاد توازنه في اللحظة الأخيرة,ضحكت شروق فاستنارت الدرجات المظلمة علي السلم وفي قلبه:
-حاسب.لا تخف من القطط...لا يوجد حيوان يخيف بقدر البشر.
يقولون أن جدها كان فتوة تهرب من أمامه جدعان صلاح الدين وأبي عبدالله وأبي الريش,يصرخ علي الرجل فيتجمد هلعاً,يحمله بين يديه ويطوح به كلعبة بين يدي طفل.
سلمة,سلمة.دور,دور,هبطا به للشارع حيث تنتظر عربة الإسعاف ليس فيها سوي سائق سمين يدخن سيجارة,حين رآهما فتح الباب صامتاً وركبا معاً في مؤخرة العربة يتوسطهما الفتوة السابق,أخرجت هاتفها وقالت بلهجة تقريرية:
-أيوة يا بابا,سيعود جدي للمستشفي ثانية...اتصل بماما فهي وحدها في المنزل...نعم معي عادل...لا لا يهم فهو يرحب دوماً
وكأنها شعرت بفساد التعبير استدركت:
-هو لا يتأخر عن المساعدة.
توقفت العربة في شارع23يوليو(الأميرة فوقية سابقاً)لا مكان لقدم من الزحام,أحد أهم شوارع دمنهور,روائح الدجاج المشوي مختلط بالفاكهة بعوادم السيارات,وضجيج لا يتوقف من صوت الأقدام السائرة وآلات التنبية وثرثرة النساء مع الباعة وزحام محلات الفول والطعمية والكشري,بين هذا المولد الكبير,ينزوي مقهي المسيري المغلق في انتظار الهدم,كروح مكسورة تشعر بدنو الأجل,مريضة كالفتوة المنتظر منيته,عمرها يماثل عمره,وربما يموتان سوياً,نظر للمقهي وحاول تخيله وقت مجده, ربما عرف في وقت ما عبد المعطي المسيري جد شروق وربما حاسبه علي كوب شاي...أين تذهب الأحداث وكيف يتبخر الزمان؟وبعد ساعات أن سيهرب هذا اليوم؟!
عاد  للحاضر بصوت شروق الناعم:
-هيا
عادا سوياً كل منهما غارق في عالمه الداخلي وعلي باب العمارة توقت قبل أن تصعد واستدارات له بكل جسدها:
-هل ما نحياه حقيقي,سعادتنا وآلامنا وأيامنا المهدورة؟
رفع كتفيه وزم شفته لأسفل
- ما أعلمه أني أصدق في الوجود فقط لأنك فيه.
نظر لجسدها وهو يتمايل حتي غابت عن ناظريه.
في العقود الأخيرة انتقل ثقل المدينة لدمنهور الجديدة, وفي الأعوام السابقة تركز في ما حول النادي الاجتماعي,يسميها الأغنياء الجدد في المدينة"سموحة دمنهور"تيمناً بتجربة جوزيف سموحة في تحويل برك مالحة لحي شهير عند مدخل الأسكندرية,وهم اليوم يحولون مناطق كانت مهجورة ومخيفة وممتلئة بالخارجين عن القانون إلي حي تجتاحه العمائر الباذخة والمحال الفخمة والتوكيلات الشهيرة,ضمن حمي الشراء والبيع والاستهلاك,ومشهد فروع المطاعم العالمية تزدحم بالآكلين والمكتبات لا يملأ فراغها سوي الهواء,و"البراندات"تستقبل علية المجتمع والأطفال حفاة قذرين في الشوارع,جدير بديستوبيا مخيفة,وصراع جديد في نفس موقع حرب حورس مع ست,وبالمثل انتقل مثقفو المدينة بعد غلق مقهي المسيري وهدم مقهي البنا إلي مقاهي دوران الاستاد في ضمن نطاق دمنهور الجديد,أنهي عادل عمله في محل والده في الحادية عشر,بعد انقطاع نفسه وتهدم أعصابه في المجادلة للدفاع عن خمسين أو مائة مع النساء والبنات,طويلي البال ثرثرات اللسان,وهرع نحو أستاذه المثقف العتيد السيد صالح,الجامعة التي تشرب منها الوعي بعد ما جناه عليه نظام التعليم الإجرامي في مصر,علي يدي السيد شعر بالكون وبالإنسانية وعرف هويته المصرية وكره ثقافة الصحراء وغزو قيم البداوة,تعرف علي تاريخ دمنهور قبل توحيد مينا للقطرين إلي ظهور مينا جديد حفظ البلاد من كيد الأعداء بعد سرقة أصحاب اللحي مقدرات البلاد,حور محب يظهر ليواجه ذات التعصب والفاشية الدينية التي قادها المارق المهووس إخناتون,كأن التاريخ يعيد نفسه بأسماء جديدة.
شعر أبيض ينز بالتجارب والخبرات وعيون التهمت الكتب ورأت الأحداث,وجسد نحيل وتجاعيد حفرتها سهاد ليالي الكتابة والدرس,جالس علي كرسي بلاستيكي وحيداً يشرب سيجارة كليوباترا من هاتفه تنبعث موسيقي "غسق الآلهة",وبجواره كتاب عدة كتاب لأدباء شباب لا يعرف أحد كيف يلتقطهم وسط مهرجان الكتابة للجميع,سارحاً مع فاجنر في دنيا  الخيال,لم يشعر صالح به حتي انتهت السيمفونية,نظر له بعينين طفوليتين لا تفارقهما الدهشة:
-ماهذا...متي جلست؟
اعتدل علي  كرسيه وعزم عليه بسيجارة:
-منذ جنازة سيجفريد,رحمه الله
ضحكا في مودة,انزاح  فيها فارق ثلاثين عاماً فبديا صديقان منذ الطفولة,لوحة عظيمة من لوحات الصداقة المتحررة من أي شرط,لو كان رزقه الله بابن ما أحبه كحبه لعادل.
-ما آخر الأخبار مع ذات العيون الخضر؟
-صحيفة القلب غائمة.
-بل عيناك كليلتان.
-بي رغبة لكن كلاب الخوف نابحة!
انحني رأسه  علي صدره في تسليم:
-أخشي الفشل.
أطفأ سيجارته وتنهد:
-وأنا أخشي عليك الحرمان وغدر الزمان,لاتغتر بشبابك فهي تمر كالسحاب,أما الشيخوخة فستغدو كجبل جاثم علي صدرك.
ثم أحاط  كتفه بذراعيه في أبوة:
-لا تسمح للزمان بسرقتك مثلي...منذ ماتت سميرة بعد عامنا الأول كزوجين,فجأة وجدت نفسي هنا وحدي...
مر شحاذ فصرفاه في حسم,أشار نحوه السيد:
-تجارة رابحة,هذا الرجل  يملك شقتين!
بعد يومين عادا للمستشفي وفي نفس العربة رجعا مع الجد للمنزل, في منتصف الطريق,طبطبت شروق علي جدها في حنان فياض,وضع عادل يده عليها,تشربت يداه يداها,وهمس في رقة:
-لتزرع  هاتان  اليدان في حياتي أول شجرة بستان السعادة.
في خجل ينضح بالأنوثة تجنبت النظر له ورنت بعينيها نحو النافذة,والسيارة  تنعطف علي أول الشارع.
في القصة القصيرة فاز ميشيل حنا عن قصة "التلاشي" المركز الأول (مناصفة) قيمة الجائزة 750 جنيها، ومحمد متولي محمود العبادي عن قصة " دعونا نتحدث عن سيمين" المركز الأول (مناصفة) قيمة الجائزة 750 جنيها، وعمرو محمد مجدي البيومي عن قصة "إشارة إلهية" المركز الثاني (مناصفة) قيمة الجائزة 500 جنيه، وأحمد ثروت الجابري عن قصة "التروسيكل" المركز الثاني (مناصفة) قيمة الجائزة 500 جنيه، ومحمود قدري عن قصة "نصف الحب" المركز الثالث قيمة الجائزة 500 جنيه
http://gate.ahram.org.eg/News/2022277.aspx

الأحد، 26 أغسطس 2018

بسمة تمزق الجحيم



ثلاث مرثيات لأنطويوس نبيل تثير في قلبي كوامن الشجن,نحو ثلاث شخصيات هزتني في أيامي الأولي وأشعلت نار الوعي في داخلي,:الفنان العظيم نجيب سرور أبناء نجيب سرور يجمعون رماد حلمه,العبقري إسماعيل أدهم,وإحدي هدايا أمريكا اللاتينية للثقافة العالمي فيكتور خارا...هذه الأسماء لا ترد في التلفاز وبالكاد قد يأتي ذكر نجيب  سرور في عمل إذاعي عنه أو من تأليفه علي إذاعة البرنامج الثقافي,وهؤلاء الثلاثة الذين رثاهم أنطونيوس تربطهم رابطة العبقرية التي جنت علي صاحبها,فمازال أمام البشر نفس المسافة التي قطعوها من الكهف إلي النانو حتي يتفهموا أمثال هذه الشخصيات النادرة في حياة الأمم,وتأثيرها علي أجيال الفنانين والمبدعين علي توالي السنين.
لكن دنيا الإنترنت تحتفي بهم وتقدر منجزهم الثقافي,ودور أنطونيوس وأحمد شوقي ومريم حلمي في شاهد علي وجود فنانين وسط غياب الفن المصري في الجب العميق,حلقوا فوق حالة الانحطاط ليسيروا في موكب فيكتور خارا لرثائه بعد  أكثر من أربعين عاماً علي مقتله...
كأفلاطون أتخيله وسط طلابه يسير متغنياً بأغانيه,كما كان الفيلسوف اليوناني يسير متحدثاً ومتسائلاً في أكاديميته,وكشهدي عطية أراه يموت بين أنياب القتلة وكالشيخ إمام يحمل موسيقاه فوق أكتافه ليلقيها نوراً وسط الشوارع المظلمة,يتلقف هذه الحالة المبدعين الثلاثة وكردة فعل تكون أغنية"بسمة في الجحيم",في هذه الأيام الصاخبة المدججة بضجة المهرجانات التي تثير  الأعصاب,وتساهم في زيادة حدة  العنف الغير مسبوق في المجتمع المصري الذي اتسم بالوداعة والطيبة عندما  كانت أعصابه تهدأ علي صوت أم كلثوم وحليم وعبد الوهاب ونجاة ووردة وغيرهم,عندما كان يهرب من صلابة الحياة لنعيم الفن,أصبحت كمية ونوعية الجرائم فيه لا تصدق أبداً,يساهم في ذلك ما يشاهده ويسمعه في السنوات الماضية,وما صور له إن البطولة من البلطجة والدم!
تأتي هذه الأغنية لتحاول مع غيرها عدل الدفة نحو الفن الحقيقي-وبالطبع لن أعدم من يتهمني بالحجر علي الآراء والنوستاليجيا وعدم فهم هذا النوع من الأغاني, ومن  يجادل في أن حمو بيكا هو خليفة العندليب!!-هذه الجذوة التي تتقد في وجدان أنطونيوس نبيل عبر أشعاره وموسيقاه,فهو فنان يحمل مشروعه في قلبه,وعبر حالة فنية افتقدتها الساحة تظهر أعماله الغنائية لتنضم لقافلة الإبداع الغنائي المصري التي بدأت مع سيد درويش وبديع خيري,التقت الكلمات والألحان مع صوت شوقي ومريم حلمي في هارمونية تليق بفيكتور خارا متنوعة بين الإلقاء الشعري الحماسي والأبيات الفصيحة باللغة العربية والفصيحة باللغة المصرية,وبأداء استطاع التعبير عن عمق مأساة هذا الفنان المقتول بطريقة وحشية,وهذه ميزة الفنان الواعي بما يقدمه,في عالم التمثيل والغناء توجد نماذج علي قمة جبل الموهبة الإلهي لكنها افتقدت لميزة الوعي والثقافة ولو توفرت لها لغادرت الجبل للسماء السابعة!
هذه حالة نضج فني من شباب واعد,لا يحتمي بالأضواء ولا اللقاءات المصورة ولا بدور النشر,ففي  لحظة تختفي تاركة أسماء باهتة,لكنه حالة تصوف فنية,صحيح أمثالها قليلة لكن رهان المستقبل دوماً عليها!


الخميس، 9 أغسطس 2018

فيزياء الصوت بين البيروني وابن سينا


بنية السؤال في  حد ذاتها تتشعب في اتجاهات عدة يمكن حصرها في عدة نقاط:
1-الإجابة  علي سؤال يبدأ بهل لا تحتمل إلا نقيضين(نعم أو لا)أما في هذه الحالة فنعم أو لا تستدعي اسئلة أخري تبدأ بهل ولماذا وكيف.
2-الحكم علي نتيجة ما في تاريخ العلم لا يمكن بدون إثباتها عبر التجريب والملاحظة, وكثيراً ما سادت نظريات دنيا البشر ثم ظهر بطلانها, أو حوربت نظريات ثم أثبتت صحتها في تاريخ العالم.ما كان بالأمس حقيقة مطلقة لا تقبل الجدل يخضع اليوم-ككل ما تحت الشمس-لمبدأ عدم اليقين,فالعلم يتطور كل لحظة ويتغير بصورة لا يمكن اللحاق بها, ويظهر لكل زمن براديجم علمي ما يلبث أن يتغير  أو ينسف تماماً  ثم يحل محله براديجم جديد بقوانين ومعارف جديد, فرغم جهود البيروني وبحوثه الثرية في كتاب القانون السعودي أو كتاب الصيدنة ,إلا أن الزمن طواه ولم يعد له ذات القيمة العلمية التي كانت في عصره,والمثال الشهير علي ذلك فيزياء نيوتن وفيزياء أينشتاين,فالأولي  كانت هي القانون المريح الذي ظن الناس أنه خاتمة العلم ولا يمكن الأتيان بجديد و دوماً يظن الناس أن ليس في الإمكان أبدع مما كان,ثم جاء أينشتاين ليدوخ العقول في متاهاته العلمية المثيرة,وكذلك بطليموس وجاليليو,قصص الخلق المباشر البسيطة ,عبقرية داروين فاتحة الآفاق,هندسة إقليدس وريمان.....
3- أوافق. لكن هل هو حقاً  البيروني من قال هذه العبارة أم ابن سينا؟
"إن الجهد  المبذول لفهم الكون هو أحد الأشياء القليلة التي ترفع حياة الإنسان قليلاً فوق مستوي المهزلة,وتعطيها بعضاً من جمال التراجيديا"
والبيروني وابن سينا كلاهما ممن تنطبق عليهم بالضبط كلمات عالم الفيزياء ستيفن واينبرج,وإني كلما اقتربت من عبقرية العلماء العرب أحذر آثارها الجانبية  المتمثلة في التخدير,فنحن أشبه بشخص مترهل مستلق علي دكة,بجفون ثقيلة ونظرة ميتة,كلما  طرق سمعه اسم عالم ينتمي لجنس العرب,صاح بكل قوته"كنا وكنا وكنا,وعندنا وعندنا وعندنا"ولا تمضي لحظة عليه إلا وينام في رضا أحمق وطمأنينة مستفزة,في مشهد كاريكاتوري محزن,ورغم الإعجاب الجارف لكل صناع الحضارة العربية,لا يمكن السباق بهم في مضمار العلوم والمعارف في عصر إيلون ماسك ومارك روكزبرج,حيث أعلي درجة  لتوظيف  العلم والمعرفة,ولو عادوا من جديد لتاهوا وسط وادي السليكون ووكالة ناسا!! بينما نحن...علي مانري,ويا ليتنا كنا عمياناً حتي لا نري هول المصيبة!
في الأيام الأخيرة أعلنت شركة فيرجن جالاكتيك عن خطوة جديدة في السباق التكنولوجي العلمي,حول تسيير رحلات سياحية للفضاء,جربت طائرتها  الجديدة التي تطير بسرعة أكبر مرتين  ونصف من سرعة الصوت ووصلت لأول مرة إلي طبقة الميزوسفير,وشركة إسرائيلية طورت نظارة جوجل بحيث يمكنها تلقي أوامر صوتية دون الحاجة إلي استخدام اليدين(المشغولتين في العمل)
كان البيروني وابن سينا من درر علماء القرن الحادي عشر الميلادي,وثالثهم ابن الهيثم,وما بينهما من مراسلات تكشف العقلية المتفردة التي يتمتعان بها,وتلقي الضوء علي زمن وصل فيه المنهج العلمي لمحاولة معرفة دقائق الأمور بأبسط الأدوات,وعلي الجانب الآخر كانت أوروبا غارقة في  مجادلات حول  السحرة والشياطين وحرق المفكرين وطرد الأرواح وحماية الجنين من العفاريت التي يمكن أن تغير  نوعه  في رحم...الحال انقلبت بصورة درامية...دنيا عجيبة!
ألف البيروني في الفلك,الاصطرلاب,التنجيم,المواقيت,قياس الزمن,الجغرافيا,الجيوديسيا,الحساب,الهندسة,الميكانيكا,حساب المثلثات,الأرصاد,الصيدلة,التاريخ,النبات,المعادن,الدين,الفلسفة.
نستطيع تفهم تبحر البيروني في علوم ومعارف عصره,حتي كاد أن يُسمي زمنه بعصر البيروني,حين نسمع حكاية الولواجي:
"دخلت علي أبي الريحان,وهو يجود بنفسِه,وقد تحشرج نفسَه,وضاق به,فقال لي في تلك الحال:
كيف قلت لي يوماً حساب الجدات الفاسدة(مسألة في علم المواريث),فقلت له إشفاقاً عليه:
أفي هذه الحالة,فقال لي:
يا هذا أودع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة,ألا يكون خيراً من أن أخليها وأناجاهل بها
فأعدت عليه ذلك وحفظ,وعلمني ما وعد,وقد خرجت من عنده,وأنا في الطريق فسمعت الصراخ"
وقوف الموت علي بابه لم يشغله عن البحث والدراسة, وتلك هي نار الشغف العلمي المتوقدة في رأس  كل عالم,تنسيه نفسه,وتحلق به فوق عالم البشر,هوكينج  فوق كرسيه المتحرك يدور حول الثقوب السوداء,تسلا  تحت ضغط الفقر والنبذ يصنع القرن  العشرين,في كل عصر نجد أمثال هذه النماذج  الفذة في طلب العلم؛لذلك لا يملكك العجب حين يرفض هدية السلطان مسعود من بابه العالي ويصرح أنه  يطلب العلم للعلم.
بهذه الروح خاض البيروني في شتي علوم عصره...
الصبر والمداومة والإخلاص والدأب علي المعرفة لأجل المعرفة دون انتظار مقابل,بالإضافة إلي الموضوعية المنهجية وتقبل مختلف الثقافات  والاتجاهات من العناصر التي جعلت المستشرق الألماني"سخاو"يصفه بأنه أعظم عبقرية شهدها التاريخ.
من الطبيعي أن يساهم البيروني في علم الصوت مع:ابن جني,الجاحظ,سيبويه,إخوان الصفا,ابن رشد,الفارابي,ابن سينا,عبد اللطيف البغدادي.
توصل البيروني إلي أن سرعة الصوت أقل من سرعة الضوء ذاكراً في كتاب"الآثار الباقية عن القرون الخالية":"واختلف أيضاً في حركة الشعاع فبعض قال:إنها بزمان سريع لكنه ليس شئ أسرع منها فيحس السرعة به"ويواصل في عبارة لافتة لما نحن بصدده"كما أن حركة القرع الصوتي في الهواء كانت أثقل من حركة شعاع الشمس فقيس إليه وعرف به زمانه",وفي كتاب الجماهر في معرفة الجواهر يذكر "السمع  محسوسة الأصوات والهواء حاملها إليه"وفي نهاية عمره يشكو من هوان حواسه"الأذن لا تأذن لغير مقارع الأصوات  في تمييز اللغات"كما ورد في كتاب الصيدنة.
لكن...ولكن هذه تويست درامي مثير علي الدوام!
هذه العبارة تحديداً التي ذكرها البيروني"لايحدث صوت إلا عن قلع أو قرع"تقودنا إلي الشيخ الرئيس ابن سينا عبقري آخر,صاغ للدنيا مفاهيم جديدة وعاش حياة الاضطراب والقلق كقدرالمفكرين الأبدين لسان حالهم المتنبي:"علي قلق كأن الريح تحتي".
الضلع الثاني في مثلث القرن الثاني عشر,امتاز بالموسوعية والإحاطة بالعلوم,يملك ذات شغف البيروني-وشغف موازي باللذة والحياة-له مؤلفات في:الطب,الفلسفة,الدين,الزهد,التصوف,الكيمياء,العشق,الفلك,تدبير الجند,خراج الممالك,الموسيقي,اللغة والنحو ,القصص,الشعر.
ذكر ابن سينا أن الصوت  لا يحدث إلا عن  قلع أو قرع في كتاب"أسباب حدوث الحروف"جمع فيه بين علوم اللغة والفيزياء الصوتية والتشريح,ومن غير سجين  فردقان يركز هذه المشاعل الثلاثة لفحص موضوع واحد لامس فيه الحقائق الفيزيائية التي أثبتتها الدراسات الحديثة.
الفرد العادي منا يؤمن إلي أبعد حد ببيت عمرو بن يعد يكرب:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه       وجاوزه إلي ما تستطيع
ومن قال أن ابن سينا فرد عادي؟!
جاء هذا العمل بعد أن تفرغ لدراسة اللغة ثلاث  سنوات,حين لمزه أبي منصور بن الجبان بين يدي الأمير علاء الدولة وسط نقاش لغوي"إنك فيلسوف وحكيم,ولكن لم تقرأ من اللغة ما يرضي كلامك فيها",فيؤلف كتباً ورسائل في اللغة تشكل علي  ابن الجبان نفسه!
يقول الشيخ الرئيس"أظن أن الصوت سببه القريب تموج الهواء دفعة بسرعة وقوة من أي سبب كان.والذي يشترط فيه من أمر القرع عساه ألا يكون سبباً كلياً للصوت,بل كأنه سبب أكثري,ثم إن كان  سبباً كلياً فهو سبب بعيد,ليس السبب الملاصق لوجود الصوت.
والدليل  علي أن القرع ليس سبباً كلياً للصوت أن الصوت  قد يحدث أيضاً عن مقابل القرع وهو القلع.وذلك أن القرع  هو تقريب جرم ما إلي جرم مقاوم له لمزاحمته  تقريباً تتبعه مماسة عنيفة لسرعة حركة التقريب وقوتها.ومقابل هذا تبعيد جرم ما عن جرم آخر مماس له منطبق أحدهما علي الآخر.ومقابل هذا  تبعيد  جرم ما عن جرم آخر مماس له,منطبق أحدهما علي الآخر,تبعيداً ينقلع عن مماسته انقلاعاً عنيفاً لسرعة حركة التبعيد,وهذا يتبعه صوت من غير أن يكون هناك قرع.
ولكن يلزم في كلا الأمرين  شئ واحد  هو تموج سريع عنيف في الهواء.أما في القرع فلاضطرار القارع الهواء إلي أن ينضغط  وينفلت من  المسافة التي يملكها القارع إلي جنبتيها بعنف وقوة وشدة وسرعة,وأما في القلع  فلاضطرار القالع الهواء  إلي أن يندفع إلي المكان الذي أخلاه المقلوع منهما دفعة بعنف وشدة.
وفي الأمرين جميعاً يلزم المتباعد من الهواء أن ينقاد للشكل والموج الواقع هناك,وإن كان القرعي أشد انبساطاً من القلعي.ثم  ذلك الموج يتأدي إلي الهواء الراكض في الصماخ,فيموجه فتحس به العصبة المفروشة في سطحه.
إذن فالعلة القريبة-كما أظن-هي التموج؛وللتموج علتان:قرع وقلع."
يبين ابن سينا الخصائص الفيزيائية والسمعية اللأصوات:
1-التردد الفيزيائي
2-الشدة الفيزيائية
3-الشكل الموجي الفيزيائي
و في الصوت الموسيقي بعد أن عرف الصوت المنسجم المتفق بأنه ما ترتاح النفس لسماعه,والمتنافر بأنه ما لاترتاح له النفس,وصف "الهارموني"في الموسيقي الحديث بأن توافق الأصوات وتنافرها ترجع إلي درجة تفاوتها في قدرة امتزاج بعضهها ببعض,فكلما كان الامتزاج أقوي كان الاتفاق أعظم.
قبل أن نورد تعريف للصوت يترجم فيزيائياً بحث ابن سينا,أبدي إعجابي بافتتاحه النص بكلمة"أظن"وستتغير عقولاً كثيراً لو استخدمتها بدلاً من(قطعاً وبالتأكيد ولابد ولازم ولا مفر.....,......)وكل هذه الدوجماطيقية التي لا تري إلا وجه وحيد ,بينما من تغزوه الشكوك والظنون قابل للرؤية الحقة الصافية المنزه عن أي غرض.
الصوت حالة من الطاقة تنتج عندما يتذبذب للأمام والخلف بسرعة,إذا ضُربت طبلة سيهنز جلدها المشدود بسرعة شديدة إلي درجة إنه لا يمكن رؤيتها,مجبرة الهواء من حولها علي الاهتزاز بالمثل,وبما أن الهواء يتحرك فهو يمل الطاقة الخارجة من الطبلة في  كل الاتجاهات,في نهاية المطاف حتي الهواء في داخل الأذن سيبدأ في الاهنزاز؛وذلك حين تبدأ في ترجمة الاهتزازت لصوت,باختصار هناك وجهين للصوت:عملية فيزيائية تنتج طاقة الصوت تبدأ مع إرسالها في الهواء,وهناك عملية تحدث داخل الأذن والدماغ تحول طاقة الصوت المدخلة إلي رموز مفهومة.
يوتر الصوت الهواء المحيط وذلك بهزه إلي الأمام والخلف بسرعة في موجات تضاغطية ذات تأثير ميكانيكي,نتيجة لذلك الجزيئات في الهواء تصطدم كل واحدة بالأخري,جزئ يصطدم بالآخر...وهكذا.
أوافق علي هذا القول للبيروني وليس ابن سينا منه ببعيد!وعموماً "الحق حق في نفسه لا لقول الناس له"كقول ابن النفيس,مع التأكيد بانتفاء وجود أي  كلمة  نهائية في صاروخ العلوم المنطلق نحو المريخ في وقت قريب...
هذا عن الشق الفيزيائي المادي للصوت...
يمكنني الحديث عن أصوات تصدر من القلب ولا تعرف قلع أواقرع ولا تعرف المرور في الهواء ولها فلاسفة وعلماء متخصصين...
صوت مصر الصادح في جنبات المعابد والمجلدات وأعمال مفكريها وفنانينها ومثقفيها, سبب  حدوثه حضارة...حضارة...حضارة لا تعبرها بسرعة تأمل فيها حتي الممات!حضارة ...حضارة ...حضارة ووصفه"صوت بلادي بيدوي عبر الأجيال صوت حضارة من يومها جبارة ياما صنعت أبطال ورجال"هذه هي قناة مرورها بحسب الشاعر الغنائي حسين السيد, صوت الضمير والحقيقة  سبب حدوثه اليقظة والوعي وتمر عبر الصدق,صوت الحبيبة حين تتكلم  يشرحه صلاح جاهين:
"صوتك يابنت الإيه كأنه بدن
يرقص يزيح الهم يمحي الشجن
يا حلوتي وبدنك كأنه كلام
كلام فلاسفة سكروا نسيوا الزمن"
 صوت أم كلثوم وأديث بياف,ماجدة الرومي ولارا فابيان,موسيقي موتسارت وبيتهوفن,صوت نجوم السينما والإذاعة قوتنا الناعمة-المنهارة الآن- الصادرة من دنيا الخيال ,وسبب حدوثها الحب والفن ,وتمر عبر القلب والأعصاب والحاجة للسمو الإنساني,ويصعب التعبير عنه ووصفه.
صوت الشعب حين يهتف باسم مصر ويذكر كامل الشناوي وأم كلثوم وعبد الوهاب أن ما حدث:
"وصاح من الشعب صوت طليق
قوي,أبي,عريق عميق
يقول:أنا الشعب والمعجزة
أنا الشعب لاشئ  قد أعجزه
وكل الذي قاله أنجزه
وأصوات مصدرها الجحيم كصوت الحروب والإرهاب والصراخ والرعب,سبب حدوثها الاستعلاء والعنصرية وشهوة الإنسان الحيوانية للقتل والتخريب,وتعبر عبر أيادي ولحي ونصوص ومقولات مقززة تثير الغثيان.
صوت الضوضاء وقد ثار شوبنهور علي صوت فرقعة الكرباج في الشوارع وطالب بعقاب لمن يفعلها,فهو مجرم يقتل الأفكار في مهدها,فماذا يطالب من يحيا وسط الصخب والإزعاج وأغاني المهرجانات وكل الضجيج الذي يقتل القلوب والعقول وليس فقط الأفكار؟!
فالصوت يحدث في مواقف معينة عن طريق الحياة الداخلية,يحل فيها القلب محل  الأذن,ويستقبل موجات لا يستقبلها سواه,يذكرنا هذا بالأحجية الشهيرة عن شجرة وقعت في غابة نائية,ولم يكن هناك أي أذن لسمعها فهل تحدث صوتاً؟أعتقد أنها لا تحدث أي صوت مادام انعدم مستقبل لضربة وقوعها,أو الأصح إنها في حالة اللا صوت واللا صمت.




الأربعاء، 8 أغسطس 2018

أحمد صبري غباشي...درويش الفن الهائم


أحمد صبري غباشي...درويش الفن الهائم
تنبهت لاسم أحمد صبري غباشي لأول مرة,بعد قيامه بدور الراهب هيبا ممسرحاً عن رائعة يوسف زيدان"عزازيل",ولم يتح لي مشاهدة العرض الذي قدمه إلا حين احتواه عالم الإنترنت,فأثار إعجابي و أشعل جذوة الأمل الحماسية في داخلي للفن عموماً,فوسط  كل هذا الهراء ينبت من أرض بلادنا الطيبة شجرة جديدة,تمتص السموم وتنفث عبير الفن والإبداع,وبين التنبه والإعجاب مضت سنوات كثيرة كان غباشي في عيني مثال حالم للحالة الفنية,فهو في الأصل أديب له قصص شائقة يغوص فيها في عالمه الداخلي والخارجي,بأشكال فنية تخرج عن مفهوم الحدوتة ومضمون ينبو عن السطحية,وممثل ومخرج مسرحي يحرز نجاحات في محراب أبي الفنون المقدس,ومؤخراً بدأ يظهر في الدراما التليفزيونية  بصورة لافتة,ولا أدعي أني تابعته ,قلة من الأعمال الحالية  هي التي شدتني لمشاهدتها,وهذه الليلة وبعد إعلان بعرض فيلم"الدرويش"الذي  يقوم ببطولته علي صفحته,بقيت متيقظاً-رغم حاجتي للنوم ليلاً للصبر علي  ضجيج النهار-لأني أثق فيما يقدم فانتظرت حتي رأيت...
وما رأيته يستحق  الانتظار والسهر...
يقدم المخرج خالد منصور بكاميرته لحظة انبلاج الصبح,البراءة والفطرة مع صوت ندي يشدو"قصدت باب الرجا والناس قد رقدوا",ثم يسقط من هذا العالم السماوي إلي قاصدي رجاء آخر والناس قد تيقظوا كل يسعي إلي حاله,وفي مشهد معبر يوضح هوان الثقافة برفض أحد المارة أخذ ديون الصعاليك للشاعر صلاح الطيب بدون مقابل"مليش في الشعر"ثم يظهر متشرد نائم في العراء توقظه صوت سارينة لا نعلم هل هي حقيقة أم من خياله,فيركض خوفاً تاركاً قلمه علي الرصيف,وفي لقطة ذكية ندرك أن هذا المشرد هو نفسه صلاح الطيب,وفي ذات اللحظة يُستدعي للذهن الفنان العظيم نجيب سرور,الذي ممن يُهدي إليهم الفيلم في النهاية.
طوال النهار وقطعاً من الليل,لا يردد غباشي"الدرويش"إلا ورقة قلم,يعرض عليه  صاحب كشك بسكويت بدلاً من الورقة والقلم,فيضحك في سخرية رغم الجوع الذي يعتصره,تلفظه الشوارع ويهرب منه الناس,بمظهره الأشعث وملابسه المتسخة التي تشي بمأساة رجل تجرد من كل شئ إلا قلبه...
وعبر لقطات فلاش باك نتعرف علي صلاح الطيب في مجده,ثم تهرب الوسط الثقافي منه-الفيلم يعتبر إدانة للوسط الثقافي-ونتعرف أكثر علي أداء العزف المنفرد بمصاحبة الكاميرا لأحمد  صبري غباشي,أداء يثير الشجن واتهام الذات بل وجلدها علي ضياع العديد من المواهب في الشارع,نجيب سرور,وعبد العزيز مكيوي مثالان شهيران علي ذلك,فمن لايملك الموهبة يتسيد المجالس والمبدع الحقيقي لا يجد الورقة والقلم,ويكتفي بأكل وشرب ما يصادفه في الشارع!
يبدأ صوت الدرويش في الإعلان عن نفسه شعراً بقصيدة مصطفي إبراهيم"المولوية"بعد أن أهدته فتاة تعرف قدره قلماً,لكنها سرعان ما انشغلت بتحويل روايتها لفيلم,وورقة من بين أقدام مدعيان ممن يملأون مقاهي وسط البلد صخباً وسخفاً,وفي النهاية نراه يرقص رقصة خفيفة مع ديوانه الذي وجده ملقي في الشارع,رقصة درويش حقيقي لا يعترف إلا  بفنه وكلماته,محلقاً فوق عالمنا الأرضي القاسي,متحرراً من حاجات الجسد والتزامات المجتمع رقصة"العشوقية والمعشقة".
وينتهي  الفيلم بصوت أم كلثوم مفعماً بالحيوية والأمل"يا صباح الخير يا اللي معانا"...نهار جديد يحياه( الدروايش).