الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

سوريا يا أخت مصر...ماذا فعلوا بكِ؟!!



سوريا يا أخت مصر...ماذا فعلوا بكِ؟!!

سوريا الاسم الجميل الذي يستدعي للذاكرة الحضارة والفن والثقافة,أصبحت عناوين إخبارية في وكالات الأنباء,تفوح برائحة الدم والبارود,تستدعي أصوات طلقات البنادق والمدافع وصراخ الأبرياء...سوريا الجميلة المثقفة أمامي الآن مقطوعة الأطراف مُدماة علي قارعة كوكبنا الأرضي ولا أملك لها إلا حباً جارفاً...هل يوقظها يا رفاق؟!هل دموعي التي انهمرت عليها ومع آخر دمعة مسحتها قررت ألا أتابع صحيفة أو قناة إخبارية حتي لا أموت كمداً علي دولة أحببتها دون أن أراها.
هناك مشاريع أدبية كثيرة في ذهني أتمني لو أستطيع البدء فيها,لكني لا أقدر...تلح علي سوريا في كل وقت أقرر فيه عمل أي شئ,صوت في داخلي يصرخ:
-أيها الخائن...وماذا عن سوريا؟!
أرد عليه
-لا حيلة لي سوي أني أهو أن أعبر عن نفسي بالكلمات وما أشعر به فوق طاقة البشر,ربما لو كنت موسيقياً لألفت مقطوعة باكية بعنوان"سوريا...مع حبي"ليت حبي يفيد.
فجأة صرخت سوريا داخلي كفتاة بريئة لم تلوثها الحياة:
-قل ما تريد...أريد سماعك.
سوريا....
حبيبتي اغفري لي سذاجتي في الحديث,وعذري أني سأتكلم من قلبي...قلبي المثقل بالهموم الشخصية,التي طغت عليه فأصبح أغلب الوقت صامتاً أو غارقاً في دنيا الأوهام.
ربطني بك في البداية الفن والدراما,كنت صغيراً جداً عندما كنت أجلس بجانب والدتي,وهي تشاهد مسلسل"يوميات جميل وهناء"شعرت أن الشخصيات والأحداث هي نفسها التي كانت في مصر؛لذلك تابعته والدتي وأكثر من شخص كنت أعرفه في محيطي,وكنت أغني سعيداً بصوت طفولي مبتهج حين يبدأ أغنية تتر المقدمة مازلت أذكرها"الليل الليل عجميل وهناء ياليل,الليل ليل ياليل ياليل عهناء وجميل ياعين"تدمع عيني الآن لذكري أيام البراءة التي شاركتني فيها سوريا...شعرت بسوريا أنها الشارع المجاور لشارعنا ربما تاكسي سيوصلني لها أو من الأفضل السير علي الأقدام!
في مراهقتي أعجبت بشدة-ومازلت-بجمال عبد الناصر"عظيم المجد عظيم الأخطاء"-ككل الأبطال التراجيدين-علي حد قول الجواهري,من ضمن مجده الوحدة مع سوريا,افتخرت إننا اخترنا سوريا للوحدة معها,فمنها أناس فتحوا وعيي وشكلوا وجداني,نزار قباني حين أحُب,وصباح فخري حين أطرب,وسعد الله ونوس حين أنظر للدنيا من نافذة المسرح,وفراس السواح حين أفكر في الدين وأصل الكون,وأدونيس الذي كنت أسمع عنه وقتها ولا أعرفه,والمعري شاعري المفضل,ودريد لحام الذي كنت أشعر أنه معادل محمد صبحي السوري,وبعدها شاهدت علي الشاشة المصرية سولاف فواخرجي وجمال سليمان في أدوار فنية مهمة.وعندما خدمت كجندي في الجيش المصري العظيم,كنت أتساءل هناك الجيش الثاني والثالث,فأين هو الجيش الأول؟حتي سمعت من أحد الضباط أن جيشنا الأول كان في سوريا أيام الوحدة.
سوريا...
إن حزني الآن يتراجع ويحل محله راحة,راحة البوح للحبيبة دون ترتيب أو تفكير,سوريا دعيني ألفظ اسمك مستمتعاً بكل حرف س و ر ي ا.
تقوم الحضارة العربية علي ثلاث دول"مصر,سوريا,العراق"الثانية والثالثة تم الإطاحة بهما وبقيت الأولي صامدة بفضل شعبها وجيشها,ويوماً ما ستشارك في بناء أختيها...أحمد الله أن أثناء حرب العراق لم أكن نضجت بعد لأفهم وإلا ما تحملت ضياع الحضارة الفينيقية والسومرية علي حياة عيني,كنت في (المدرسة!),وأنا كما تعلمين لا أعترف بهذا الهراء الدراسي الذي يحدث في مصر فدعينا نستخدم هذه الكلمة ومشتقاتها دون تعليقات ؛حتي لا ندخل في موضوعات أخري,يوم احتلال العراق وسمعت من المدرسين أول أنباء هذا الخبر,لم أهتم كثيراً وشغلت بما يشتغل به الأطفال,لكني أذكر الناس وقوف أمام التلفاز يتابعون حرباً علي الهواء مباشرة.
لكني عايشت سقوطك أنت...سقوط عاصمتك التي من مدن البشر الأولي المشاركة في بدء الحضارة دمشق بأيدي أهل دمشق,فتواردت علي خاطري أحداث الحرب اللبنانية الأهلية المجنونة,ودعوت الله ألا تنجرفي لهذا التيار الوحشي...لكنه حدث,حدث يا سوريا وأصبحت الآن أبكيكِ.
سوريا...
عاد حزني وألمي من جديد.
يوسف زيدان أيضاً ممن يذكرونك بقلوبهم خوفاً عليك وطمعاً في سلامتك,حين وضع سؤالاً عن زنوبيا ومدينتها تدمر,تهيبت الإجابة وقررت ألا أخوض في تاريخك حتي لا أغرق في نهر الأحزان مع أن كل سؤال يحمل كنزاً,لكني اجتهدت و أجبت(أنا تدمُر...أنا زنوبيا!)وحينها قال يوسف زيدان"تحية خاصة لمحمود قدري ومدونته"فزاد حزني يا سوريا حين أجبت كما يزيد الآن وأنا أراكِ تهوين من حالق مهشمة العظام.
سوريا...يا أخت مصر ماذا فعلوا لكِ؟!
سوريا أود أن أغني لك أغنية منك"يا مال الشام يالله يا مالي
طال المطال يا حلوة تعالي
طال المطال وجيتي عالبالِ
ما يبلى الخال عالخدِّ العالي

طال المطال طال وطوَّل
الحلوة بتمشي بتمشي وتتحوَّل
يا ربّي يرجَع زمن الأوَّل
يوم يا لطيف ما كان على بالي

طال المطال وعيوني بتبكي
وقلبي ملان ما بقدِر بحكي
يا ربي يكون حبيبي ملكي
يوم يا لطيف ما كان على بالي

طال المطال وما شفناهم
يوم الأسوَد يوم الودَّعناهم
ياربي تجمَعْني وياهم
يوم يا لطيف ما كان على بالي"
وأقرأ معك قصيدة أمير الشعراء عنك:
"سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ
وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَدًا وَخَفقُ
وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ
دَخَلتُكِ وَالأَصيلُ لَهُ اِئتِلاقٌ وَوَجهُكِ ضاحِكُ القَسَماتِ طَلقُ
وَتَحتَ جِنانِكِ الأَنهارُ تَجري وَمِلءُ رُباكِ أَوراقٌ وَوُرْقُ
وَحَولي فِتيَةٌ غُرٌّ صِباحٌ لَهُم في الفَضلِ غاياتٌ وَسَبقُ
عَلى لَهَواتِهِم شُعَراءُ لُسنٌ وَفي أَعطافِهِم خُطَباءُ شُدقُ
رُواةُ قَصائِدي فَاعجَب لِشِعرٍ بِكُلِّ مَحَلَّةٍ يَرويهِ خَلقُ
غَمَزتُ إِباءَهُمْ حَتّى تَلَظَّتْ أُنوفُ الأُسدِ وَاضطَرَمَ المَدَقُّ
وَضَجَّ مِنَ الشَكيمَةِ كُلُّ حُرٍّ أَبِيٍّ مِن أُمَيَّةَ فيهِ عِتقُ
لَحاها اللهُ أَنباءً تَوالَتْ عَلى سَمعِ الوَلِيِّ بِما يَشُقُّ
يُفَصِّلُها إِلى الدُنيا بَريدٌ وَيُجمِلُها إِلى الآفاقِ بَرقُ
تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ
وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ
أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ
صَلاحُ الدينِ تاجُكَ لَم يُجَمَّلْ وَلَمْ يوسَمْ بِأَزيَنَ مِنهُ فَرقُ
وَكُلُّ حَضارَةٍ في الأَرضِ طالَتْ لَها مِن سَرحِكِ العُلوِيِّ عِرقُ
سَماؤُكِ مِن حُلى الماضي كِتابٌ وَأَرضُكِ مِن حُلى التاريخِ رَقُّ
بَنَيتِ الدَولَةَ الكُبرى وَمُلكًا غُبارُ حَضارَتَيهِ لا يُشَقُّ
لَهُ بِالشامِ أَعلامٌ وَعُرسٌ بَشائِرُهُ بِأَندَلُسٍ تَدُقُّ
رُباعُ الخلدِ وَيحَكِ ما دَهاها أَحَقٌّ أَنَّها دَرَسَت أَحَقُّ
وَهَل غُرَفُ الجِنانِ مُنَضَّداتٌ وَهَل لِنَعيمِهِنَّ كَأَمسِ نَسقُ
وَأَينَ دُمى المَقاصِرِ مِن حِجالٍ مُهَتَّكَةٍ وَأَستارٍ تُشَقُّ
بَرَزنَ وَفي نَواحي الأَيكِ نارٌ وَخَلفَ الأَيكِ أَفراخٌ تُزَقُّ
إِذا رُمنَ السَلامَةَ مِن طَريقٍ أَتَت مِن دونِهِ لِلمَوتِ طُرقُ
بِلَيلٍ لِلقَذائِفِ وَالمَنايا وَراءَ سَمائِهِ خَطفٌ وَصَعقُ
إِذا عَصَفَ الحَديدُ احمَرَّ أُفقٌ عَلى جَنَباتِهِ وَاسوَدَّ أُفقُ
سَلي مَن راعَ غيدَكِ بَعدَ وَهنٍ أَبَينَ فُؤادِهِ وَالصَخرِ فَرقُ
وَلِلمُستَعمِرينَ وَإِن أَلانوا قُلوبٌ كَالحِجارَةِ لا تَرِقُّ
رَماكِ بِطَيشِهِ وَرَمى فَرَنسا أَخو حَربٍ بِهِ صَلَفٌ وَحُمقُ
إِذاما جاءَهُ طُلّابُ حَقٍّ يَقولُ عِصابَةٌ خَرَجوا وَشَقّوا
دَمُ الثُوّارِ تَعرِفُهُ فَرَنسا وَتَعلَمُ أَنَّهُ نورٌ وَحَقُّ
جَرى في أَرضِها فيهِ حَياةٌ كَمُنهَلِّ السَماءِ وَفيهِ رِزقُ
بِلادٌ ماتَ فِتيَتُها لِتَحيا وَزالوا دونَ قَومِهِمُ لِيَبقوا
وَحُرِّرَتِ الشُعوبُ عَلى قَناها فَكَيفَ عَلى قَناها تُستَرَقُّ
بَني سورِيَّةَ اطَّرِحوا الأَماني وَأَلقوا عَنكُمُ الأَحلامَ أَلقوا
فَمِن خِدَعِ السِياسَةِ أَن تُغَرّوا بِأَلقابِ الإِمارَةِ وَهيَ رِقُّ
وَكَمْ صَيَدٍ بَدا لَكَ مِن ذَليلٍ كَما مالَتْ مِنَ المَصلوبِ عُنقُ
فُتوقُ المُلكِ تَحدُثُ ثُمَّ تَمضي وَلا يَمضي لِمُختَلِفينَ فَتقُ
نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا وَلَكِن كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ
وَيَجمَعُنا إِذا اختَلَفَت بِلادٌ بَيانٌ غَيرُ مُختَلِفٍ وَنُطقُ
وَقَفتُمْ بَينَ مَوتٍ أَو حَياةٍ فَإِن رُمتُمْ نَعيمَ الدَهرِ فَاشْقَوا
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ
وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا إِذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا
وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ
فَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ
نَصَرتُمْ يَومَ مِحنَتِهِ أَخاكُمْ وَكُلُّ أَخٍ بِنَصرِ أَخيهِ حَقُّ
وَما كانَ الدُروزُ قَبيلَ شَرٍّ وَإِن أُخِذوا بِما لَم يَستَحِقّوا
وَلَكِن ذادَةٌ وَقُراةُ ضَيفٍ كَيَنبوعِ الصَفا خَشُنوا وَرَقُّوا
لَهُم جَبَلٌ أَشَمُّ لَهُ شَعافٌ مَوارِدُ في السَحابِ الجُونِ بُلقُ
لِكُلِّ لَبوءَةٍ وَلِكُلِّ شِبلٍ نِضالٌ دونَ غايَتِهِ وَرَشقُ
كَأَنَّ مِنَ السَمَوأَلِ فيهِ شَيئًا فَكُلُّ جِهاتِهِ شَرَفٌ وَخَلقُ
سوريا...حبيبتي...لنا كلام جديد حين تعودين بهية شامخة من جديد,قد لا أشهد أنا ذلك العصر فهو يبدو بعيد بعيد,مخفي تحت جثث الأطفال والنساء,لكن اطمنئ ستجدين مصرياً آخر,يهلل لعودتك يا سوريا...يا أخت مصر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق