الجمعة، 11 ديسمبر 2015

ليلة عيد

ليلة عيد

ران عليهما الصمت للحظات وهما ينفثان دخان السجائر في دكان صغير كئيب المنظر,موحش الهيئة, لم يعد لأي ما في الدنيا بهجة أو حتي طعم مميز,ولا ليلة العيد التي تغني لها أم كلثوم وفيروز...الليلة ليلة عيد الفطر,لماذا لا يبتهجان ولو قليلاً؟!صاحب المحل في الثالثة والثلاثين وقريبه يصغره بعشر سنوات,ومع ذلك يحملان قلبان عاش ألف عام حتي سأم الحياة وتمني الموت والراحة.
جلس الكبير علي صندوق مياه غازية فارغ يتخذه كرسياً,وأعطي للصغير صندوق آخر,وبدأ كالعادة يشكي له هم الدنيا وغدر الأقارب,كان أقساها علي قلب الصغير"عمي...عمي مريض لا ينهض من فراشه.هل تصدق ولده الوحيد يرفض مساعدته علي دخول الحمام ليقضي حاجته إلا لو أعطاه مائة جنيه!!!أي زمن هذا؟! اللهم ارحمنا برحمتك"
انكفأ الصغير علي ذراعيه التي عقدهما علي ركبتيه يسمع آلامه وهو في أمس الحاجة لمن يسمع آلامه هو,دخلت امرأة وابنتها يبدوان في غاية رقة الحال...الليلة عيد...لعبة للبنت...البنت البريئة التي تبدت في عينيها بهجة الطفولة وهي تستعرض كافة أنواع اللعب المعلقة خارج المحل
 -العروسة ياماما.
-غالية!
-العروسة ياماما
قالت الأم بنفاذ صبر وهي تكاد تلطمها علي وجهها:
-قلت لك غالية يا غبية ألاتفهمين؟!
-السيارة ياماما؟
-لا
-طقم المطبخ الصغير كالذي اشترته ريم يا ماما.
-لا
-.....
-لا
-.....
-لا
كله غالِ كله لا ينفع,كله نفسها فيه ومحرومة منه...ليلة عيد.
لم تجد الأم إلا نظارة سخيفة رخيصة بثلاث جنيهات,ولم تجد الطفلة التي مازالت تتطلع للعروسة بألم -اختيارها الأول-إلا القبول علي مضض,ارتدتها وهي تحاول أن تفرح,أن تبتهج,رأت من خلالها العروسة الجميلة الشقراء,تنظر في عينيها,سمعتها تهمس"خذيني يا سلمي...ألا ترين كم أشبهك؟!أود لو ألعب معكِ,أنام في حضنك,أرقد في سريرك,ألامس ملابسك,تسرحين لي شعري وتغيرين ملابسي.
-العروسة ياماما
كان ردها وهي تخرج الثلاث جنيهات من كيسها الجلدي البائس زغدة توجعت لها الصغيرة,لكنها منعت نفسها من البكاء بصعوبة...الليلة ليلة عيد!
عاد الكبير يدخن ويحكي للصغير كيف سرقه أخيه ولأي مدي يطمع في دكانه الصغيرة التي يود أن يشاركه أرباحها بدون وجه حق,الأخ الأصغر الذي تزوج وأنجب وهاهو يعمل في السعودية يود مشاركة الاخ الأكبر الذي مازال يطمح في تكوين نفسه"أخي...أخي يريد الاستيلاء علي ما في يدي,وهو يدرك كم أحتاج كل قرش...أي زمن هذا؟!"
رجعت البنت بعد وهلة,دخلت كما تدخل الفراشة بستان من الورود,صغيرة ضئيلة جميلة.
-عمو...أريد هذه النظارة(أشارت للنظارة الزرقاء)خذ هذه(خلعت النظارة البرتقالي من علي عينيها وأعطتها له باسمة...لم تكن تبتسم له...كانت تبتسم للعروسة من خلفه.
شخط فيها:
-لا...ليس عندي إلا هذه...هيا اذهبي.
فزعت وولت هاربة وفي يدها النظارة الزرقاء.
قام ذو الثلاثة والعشرين عاماً في التقويم والألف في الهموم:
-حرام عليك يا أخي,إنهم غلابة...طفلة وليلة عيد,لم تفسد بهجتها الصغيرة.
وخزه ضميره وخرج ينادي عليها لكنها كانت قد اختفت من الشارع كله...
فض الصغير الجلسة وهو يقول في تأمل يهرب به من التفكير في البنت التي حرمت وفزعت"الحياة تضغط علينا ونحن نضغط علي بعضنا...وهكذا ينفجر كل شئ"
كانت الصغيرة قد جرت علي أمها تشهق من البكاء:
-ماما...العروسة.
توحشت ملامح الأم وهمت بصفعها لتكف عن البكاء,فأوقفتها امرأة كانت تقف في الزحام:

-حرام عليكِ...الليلة ليلة عيد.!