السبت، 27 يونيو 2015

الظاهر والباطن

لم يقرأ أشرف لخيري شلبي إلا "وكالة عطية"ولا يعرف عن تشيكوف وتولستوي إلا اسميهما اللذين سمعهما من صديق له يجالسه أغلب الليالي,قارئ مجتهد هذا الصديق,لا يجد متنفس لأفكاره ومعلوماته الحبيسة في صدره إلا سمع من لا يعرف تشيكوف وتولستوي,في القطار وهما مسافران لمكان التجهيل والغباء الذي يعرف بالجامعة,صادف وجود أحد الركاب يقرأ وكالة عطية,أراح عينه من القراءة وراح يتابع من النافذة الأشجار وهي تجري مع القطار,تبادل الراكب الحديث مع أشرف وعرج علي الرواية التي يقرأها,وظل إبراهيم صامتاً كعادته يشعر باهتزازات القطر تعتري جسده كله وتزيد حدة شعوره بالغثيان.
عاد أشرف كلام إبراهيم في إحدي جلساتهما وهو يتحدث عن الرواية,وكان هذا أمراً طبيعياً تعود عليه إبراهيم,فهو يفعلها معه شخصياً!قد يفتح إبراهيم موضوعاً سبق له الكلام فيه مع أشرف فيعيد نفس الكلام علي مسمع من تكلمه!
هذه المرة اغتاظ إبراهيم بشدة,الحر,الزحام,الاهتزاز,ضغط السفر اليومي لا لشئ إلا لتلقي هراء قذر في مكان لتجهيل المصريين.....قاطعه فجأة وهو يحاول ألا تشي نبرات صوته بغيظه,موجهاً حديثه للراكب:
-إنها ليست بهذه العظمة!بها نماذج إنسانية غريبة لن تراها إلا في وكالة عطية.
لضم أشرف كلامه بكلام إبراهيم,مشيراً بيده في ثقة ممتلئ بالرياء:
-لا أقارنه بتشيكوف أو تولستوي.
قال الاسمين كأنه قرأهما ونقدهما وفي طريقه للتفوق عليهما,لاحظ إبراهيم نظرة الإعجاب في عيني الراكب,بهذا الشاب الذي ينطق هذين الاسمين بكل تلك البراعة والفهم العميق.
بدلاً من صفعه غيظاً وخسارة صديق...أخرج هاتفه يبحث عن أي لعبة تافهة يلعبها,ريثما ينتهي المثقف الأديب من نقاشه الهام حول خيري شلبي الذي لا يقارنه بتشيكوف وتولستوي,لعب بصمت مستمعاً لنفس كلامه يتلي عليه من جديد,وصاحبه بجواره يكاد يطير من براعته في تعويض عقدة نقص الجهل,بالادعاء وحزن أنه لم يراع حتي وجوده...لماذا يسرقه بالإكراه؟!
لا هو المخطئ المغفل,هو من ترك باب عقله مفتوحاً,وأعطاه منه عن طريق لسانه ما جعله يتحدث هكذا متعالياً,يعدل نظارته مقلداً ما يقوم به الممثلون في السينما حين يؤدون شخصية المثقف...لكن من غيره يسمعه؟!
لا أحد...

وفي نفس الليلة جلس يحدثه عن ألبير قصيري وروايته"العنف والسخرية"مستفيضاُ في شرح فنياتها وشخصياتها,وهو يتخيل موقف مشابه سيحدث في القريب كموقف القطار.جاءه الموقف أسرع مما يتخيل,في نفس الليلة,انضم لهما صديق ثالث حدثه أشرف عن علي الوردي كما عرفه من إبراهيم,سبق الوردي قصيري بعد خيري شلبي,نفس نظرة الإعجاب رآها إبراهيم تتجه لأشرف,قام فجأة من المقهي معتذراً بحجة رغبته الشديدة للنوم,أثناء سيره طلب من الله أن يقيض له في حلمه من يفرغ صدره في مسمعه ولا يعيد عليه كلامه من جديد متباهياً,كأنه ملكه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق