الجمعة، 27 فبراير 2015

الذرة في الفلسفة الإسلامية

الذرة في الفلسفة الإسلامية

في السادس من أغسطس عام 1945 صفعت أمريكا خد العالم بيد"الولد الصغير",وبعد يومين صفعته علي الخد الآخر مرة أخري بيد"الرجل البدين"!
الولد الصغير اسم القنبلة التي أُلقيت علي هيروشيما,ومحت 90في المائة من المدينة وفي غمضة عين قتل ما يقرب من 80ألف إنسان,وعشرات الآلاف بعد ذلك تأثراً الانفجار الرهيب,وتكررت تلك الفعلة مرة أخري في ناجازاكي بقنبلة الرجل البدين,وكانت الصدمة ما تزال تزلزل العالم وقتها,في نهاية العام كان قد مات 80ألف شخص في ناجازاكي و140في هيروشيما,ومن يومها والضمير الحر يصرخ في وجه السياسة الفاسدة والحرب اللعينة"لا تلقوا بالثالثة"!وسينجو مواطن ياباني"تسوتومو ياماجوتشي"من قنبلة هيروشيما التي زارها لرحلة عمل وسيعود لمدينته ناجازاكي حيث سيتلقي الثانية,ويعيش حتي يبلغ93عاماً!!
كانت تلك القنبلة إعلان عصر جديد من القوة,يتسابق عليه الدول العظمي والدول التي تطمح أن تصير عظمي,عصر"الذرة"...تلك القوة استخداماتها في السلم يقاس بها مدي رقي العلوم,وتفتح أبواباً لا حصر لها لاختراعات عظيمة,وتوفر للإنسان السعادة والرفاهية,وفي الحرب جريمة لا تغتفر ولنا في مصائر طياري هيروشيما وناجازاكي عبرة لمن يخرج مارد الدمار الفظيع من قمقمه الذري ليطيح بالأجساد ويشوي الجلود ويطارد الأجنة في بطون أمهاتها!!
لو تصورنا الكون كبناء معماري فستكون الذرة هي أحجاره المبني بها,هي مادة بناء الكون الأساسية,كل مادة في الدنيا تتكون من جزيئات والجزيئات تتكون من ذرات,الماء كالحديد يتكون من ذرات,والنار كالهواء من ذرات,تلك الذرات عالم متكامل,أي يمكننا القول أن الكون الذي نعرفه يتكون من أكوان صغيرة لا تري إلا بتكبيرها مليون مرة علي ميكرسكوب ولن تزيد حجمها عن ملليمتر,بداخلها نواة وإليكترون وبروتون ونيترون في حركة مستمرة,ونظام يماثل النظام الشمسي وكواكبه!أجل كون ميكرسكوبي صعب تخيل كم هو صغير وضئيل يوضح لنا نيلز بور أحد علماء الذرة مدي التعقيد الذري لما يقول إننا علينا أن نعدل مفهومنا للفهم إذا أردنا فهم الذرة!هذا الكون الذري الصغير في المواد العادية طاقته الكامنة لو انفجرت قادرة علي تحريك قطار يزن مئات الأطنان ليدور حول الكرة الأرضية كلها!
فما هي قصة الذرة التي شغلت الفلاسفة طوال قرون طويلة وبعدها أصبحت الشغل الشاغل للعلماء,وتحمل كل هذا في ذاتها ويتكون منها الكون وما فيه...
تنتشر نظرية المعجزة اليونانية في للناظرين في تاريخ الحضارات,وهي نظرية مخلة ومعيبة وتهضم حق مصر القديمة في ريادتها –السابقة للأسف!!!-للعلوم والثقافات,فالوصف البديع الذي ابتذل من كثرة ترديده"أم الدنيا"ليس وصفاً رومانسياً أو شوفينياً,بل هي حقيقة مثبتة,فالأديان واللغات والثقافات والفلسفات بل والأجناس والأنساب أصولها في وادي النيل هنا وبداية فجر الضمير كان في شروق رع علي "جبت"التي ستصبح في EGYPTوعند العرب مصر,لظروف معقدة تبدأ بسرية العلوم الكهنوتية وعدم تدوينها واقتصار تداولها بين جدران المعابد,ولا تنتهي بفقداننا لغتنا القديمة ونسياننا لذكري الأجداد العظام بفعل هبوب تراب الصحاري الذي يذم في أول الموحدين ويزدري من تعلم موسي في معابدهم,وتزوج منهم إبراهيم لينجب جدهم إسماعيل,واحتضنوا يوسف,وأثروا في مزامير داوود وهجوم قبعات الغرب التي تنشر أفكار سخيفة من نوعيات حضارات فضائية وأطباق صناعية بينما معجزاتهم العلمية هم من صنعوها بعلمهم ومجهوداتهم,أما الحضارة المصرية المبجلة فهي من صناعة كائن فضائي,هذا مع الاعتراف بفضل عالمي الآثار العظام من الأجانب الذين تتلمذ علي أيديهم العلماء المصريين ولولاهم ما عرفنا أصلاً عن بوجودها! ولظهور متدينين لم يفهموا الدين فكان مسيحيون يمحون الآثار والنقوش ظناً منهم أن هذا ما سيقربهم ليسوع و مسلمين فعلوا المثل ظناً أن الله يرضيه هذا!! لمثل هذه الظروف سقطت آثارنا القديمة من ذاكرة التاريخ!
لذلك سأقول بضمير مرتاح,الذرة لها تعود أصول فكرتها الأولي لمصر القديمة,ربما لا أملك دليلاً علي ذلك لكن المؤشرات كلها تدل علي ذلك,فالحضارة اليونانية نفسها تعترف بضآلة معارفها أمام الكهان,الفلاسفة والعلماء فيها زاروا مصر وتعلموا فيها علي يد كهنتها,ثم عادوا ودونوا...كتبوا فكان لهم المجد,وأصبح الأطباء علي سبيل المثال يقسمون قسم أبقراط بدلاً من قسم أول شخصية موسوعية عرفها العالم...إيمحوتب العظيم.
لكن ليس من سبيل الآن إلا لما هو متاح لنا...

هناك مناهج علمية تسبق فيها النظرية المجردة التجربة المشهودة,وهذا ما حدث مع ديمقريطس الذي بدأ التفكير في وجود أجزاء صغيرة يتألف منها الكون كله,يقال أن تلك الفكرة راودته حين كان يسير علي الشاطئ وتأمل البحر وتساءل عما إذا كانت مياهه متصلة أم منفصلة,نظر إلي الرمال فوجدها تبدو من علي البعد كتلة واحدة لكنها في الحقيقة حبيبات صغيرة جداً,وفكر أن الماء أيضاً يتكون من تلك الحبيبات الصغيرة جداً,تلك الحبيبات دعاها باليونانية"atomos" وترجمتها"ما لا يتجزء"ومنها اشتق الاسم المعروف"atom" أي الذرات,وآمن عندها أن هناك حد معين في كل مادة لا يمكن تجزئته بعدها...
اختلف أرسطو بعد ذلك مع تلك الفكر,واعتقد أن المادة متصلة,أي يمكن تجزئتها إلي مالانهاية ودون حد معين,واعتبر ذلك بديهية لا تحتاج لإثبات,واستند علي أنه لا يوجد للمادة هيكل نهائي.
ومن المعروف أن الفلاسفة اليونايين آمنوا بالعقل والعقل وحده,واحتقروا الأعمال اليدوية فلم تظهر عندهم آلات علمية بقد ما ظهرت أفكار فلسفية وتصورات كونية؛لذلك لم يهتم أحد أن يثبت صحة أو خطأ ما يعتقده,فظل وجود الذرة يحتاج لدليل مادي,مع الأخذ في الاعتبار أن آراء أرسطو هي ما تسيدت علي العالم وكانت في حكم القوانين الثابتة,مع ذلك هناك الكثير من آرائه تثير السخرية وإنكار كون أرسطو هو قائلها!فكان ديمقريطس وذراته في الظل حتي مجئ العصور الحديثة التي رفضت كل منقول واعتمدت علي المعقول والمجرب,فأعادوا اكتشاف ديمقريطس مرة أخري بتجارب دالتون عام 1803حيث قال:"أن كل العناصر تتألف من جزيئات غاية في الصغر,وغير قابلة للتفتيت أو الانقسام تعرف باسم الذرات"وتصورها علي هيئة كرة بلياردو.

الفلسفة الهندية في القرن الخامس تقريباً,وعن طريق مذهب الجاينا القائل بأن المادة والمكان والزمان ينقسموا لأجزاء لا تتجزأ ,ظهرت فكرة الذرة التي سيدعوها البوذيون "درهما"قاصدين أصغر جزء تتألف منه الأشياء,وضربوا مثالاً أن الأشياء لو كانت تنقسم إلي مالانهاية ولا وجود لجزء لا ينقسم,لكان عدد أجزاء جبل ميرو الموجود حالياً في الحديقة الوطنية التنزانية مساو لعدد أجزاء الخردلة!

ثم جاء الإسلام...
الكتاب الأول في الحضارة الإسلامية هو القرآن الكريم,به ذُكرت الذرة أكثر من مرة في أكثر من موضع,وتم الإشارة إليها في سرد عذاب عاد وثمود وأيضاً قوم لوط فكان الدمدمة والصيحة  والصاعقةهي أوصاف لطاقة الذرة كما أن المأثور في النصوص عن نهاية قوم لوط يرمي إلي وجود انفجار ذري ...عموماً لست من أنصار نظرية الإعجاز العلمي في القرآن,لأمر لا علاقة له بالقرآن أو الدين إنما احتراما لقيمة العلم والاجتهاد والاكتشاف والمعرفة التي يقوم بها الغرب ولولاهم ما ظهرت أصلاً نظرية الإعجاز العلمي!!وازدراءً للخاملين الجهلة الذين لا يدركون حتي مقدار خيبتهم وانحطاطهم ومع ذلك في قلوبهم مرض عجيب,أعراضه أن كل شئ سبقوا إليه وكل أمر عرفوه وما يفعله الغرب ليس إلا تسخيراً من قبل الله تعالي...تعالي الله عما يفكرون!
قال تعالي"وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ"هناك بالفعل "الكوارك"وهو الذي أصغر من ذلك...
وعن النبي في حديث حسن:" يُحشَرُ المتَكَبِّرونَ يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجالِ يغشاهمُ الذُّلُّ من كلِّ مَكانٍ"في تمثيل مباشر ومدهش للانهيار الجذبي الذي يحدث لو توقف عالم الذرة عن الحركة,لتسقط الإليكترونات وما حولها في الفراغ الذري ولا يبقي إلا النواة,وهذا لو حدث ستصبح الكرة الأرضية كلها في حجم بيضة حمامة!,وهذا ما يشير له النبي تحذيراً من التكبر أن المتكبر سيحشر مثل الذرة,أي أنه لن يعد ذرة بل سيصبح نواة!,من هنا نفهم تمنيه علي الله"اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين".
قال علي بن أبي طالب عن الذرة كأنه كشف عن نظامها الحركي المماثل للنظام الشمسي"إذا فلقت أي ذرة تجد في قلبها شمساً",ويشرح فريد الدين العطار تركيب الذرة: "الذرة فيها شمس، وإن شققت الذرة وجدت فيها عالماً وكل ذرات العالم في عمل لاتعطيل له"!!
عند تأويل قول الله:"إنه هو يبدئ ويعيد",يجد المتأول لوأراد تصويراً لعملية دمج الذرات وظهور عناصر جديدة من التحام ذرتين مثلاً أو ثلاثة,أو انضمام إليكترون لذرة أخري,فهو يبدأ الخلق بالمادة الذرية,ويعيد فيه ما يشاء لإنتاج أشكال جديدة من الحياة بنفس المادة الأولي للحياة نفسها,وهو نفس منهاج العمل في نظرية التطور التي بلورها داروين بعد تاريخ طويل لها..."فعال لما يريد".
 ر


بالطبع كان فلاسفة الإسلام علي دراية بفلسفة اليونان وعلي اتصال بأفكار الهنود,فلا يستحق لفظ فيلسوف من لم يدرس الفلسفة اليونانية دراسة وافية ويبحثها في مباحث مستفيضة فعرفوا منهما نظريات الجزء الذي لا يتجزأ وزاد اهتمامهم بتلك النظرية الذرية ما جاء في القرآن,عندهم معبر اليونان ومعبر الهند وكتاب الله وأحاديث رسوله,لانتقال نظرية الجزء الذي لا يتجزأ.عرفوها باسم الجوهر الفرد,بالطبع تأثير أرسطو علي المشائين الإسلاميين جعلهم لا يتفقون في نظرية الجزء الذي لا يتجزأ مع من قالوا به.
قال بالجوهر الفرد ,فرق معتزلية وأشاعرة,وأبي الهذيل العلاف وابن حزم وهشام الفوطي.
ومجموعة المشائيين الإسلاميين ساروا وراء قول أرسطو المعلم الأول,كابن سينا والفارابي والكندي وابراهيم النظام وابن الهيثم آمنوا أن المواد تنقسم للمالانهاية.ومنهالفلاسفة من قال أن قدرة الله ليس لها حد و,فهو قادر علي تجزئة المادة بلا توقف!مستندون إلي آيات تؤكد إحصاء الله كل شئ بعدده, وهنا يتلامس مع مسار التباس معني الأبد والخلود في اللغة العربية والجدل حول خلود الجنة والنار وتأبيد العباد فيهما....
بين فيزياء الذرة المعقدة وفلسفة العبث وأدبه,يحيا الإنسان بين قطبين يدوران به في دوامة,فإذا كانت الذرة بكل هذا النظام وكل تلك الطمأنينة في الحركة والقوانين التي أدت لدمار عاصف,فلماذا الحياة الإنسانية المجتمعية بكل هذا العبث واللاجدوي,ولم كل هذا الألم في سبيل أفكار حمقاء وآراء غبية؟كيف تكون الطبيعة بكل هذا الانتظام-مع أننا لا نعرف لها غائية بل الغائية في بعض مناهج العلوم الطبيعية تعتبر عيباً !لايذكره الباحث حتي لا يتعرض للسخرية من أقرانه!-وحياة الإنسان وسلوكه مرتبط بكل هذا العبث الذي ينخر في كيانه حتي الجنون أو الانتحار...
ليس من المستبعد أن يكون كوننا الذي اكتشفناه-لو كنا اكتشفناه يقيناً!!- مع أضعافه المجهولة التي لا ندركها ليس إلا ذرة صغيرة في الكون الأعظم..ذرة هائمة عليها حيوات ومصائر,أحزان وأفراح,آلام وعذابات,قلق ومخاوف...كل حياة الإنسان القصيرة علي الذرة مسرح عبثي يراه مشاهدون مضحك لدرجة القهقهة,ومشاهدون يرونه محزن لدرجة الصراخ والبكاء,مع أن بيكيت نفسه الذي ينتظر "جودوت"في عبثية مغرقة في الكآبة واللاجدوي والرمزية التأويلية الغامضة,لا يتمكن من كتابة مسرحية عبثية عن عالم ذرة حديد أو ذرة هيدروجين,بينما المسرح البشري كله مادة خصبة وعظيمة لأدب العبث وفلسفته!!
مدهش أن تجتمع كل تلك التناقضات,والمدهش أكثر أن تتمازج لتشكل ما نعرفه نحن باسم"الحياة"...كان فلاسفة الإسلام"يتفكرون في خلق السماوات والأرض"نبراسهم"ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك"...









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق