الجمعة، 25 أكتوبر 2013

بشار بن برد وربابة!




سؤال يوسف زيدان
 

لماذا قال بشّار شعراً فى خادمته رباب ؟

تنبيه : هذا السؤال ليس بسيطاً مثلما يبدو من ظاهره
.
...وحتي اليوم لا يزال الكثير من تراثنا العربي,تحت رحمة القيل والقال,والظن والتخمين,كل الأمم المتحضرة الآن لو قرأنا ما تكتبه عن تاريخها وأدبها في كتبها المعاصرة القائمة علي التجديد,والرؤية من "عين ثالثة",عين تركت الجزم بكل ما قاله الرواة,وتحررت من سطوة التاريخ ومقولة فلان وحكاية علان,وقارناه بما كتبه الأقدمون سنتصور أننا نقرأ تاريخين مختلفين لأمة واحدة!!لهذا الحد وصل التجديد والتحديث في التاريخ والشعر والأدب؛ولأننا نعيش ونقول ونفكر كما كان يفعل الأجداد من مئات السنين,سنجد كلامنا واحد,برؤية واحدة تقليدية,وسرد ماقاله هذا عن ذاك,وتتشكل رؤيتنا لتراثنا الشعري,والسياسي والتاريخي,بصورة واحدة,هي الصورة كما فهمها وعرفها من قاموا بجهد خالد مشكور,فاكتفينا نحن بهذا!!ولم نعتبر أن واجبنا سوي الترديد والنقل أو الدمج بين الجميع علي أحسن الفروض,الكتب وطريقة التفكير العربية,عبارة عن "كوكتيل"من أقوال ومذاهب وشروح الأقدمين,وربما تشجع أحدنا و"نقل"عن الغرب مايخالف تصورنا,ويقلق راحة استمتاعنا بالاطمئنان للرواة,وحينها سنعتبره بالطبع بطلاً!
الأدهي من ذلك حالتنا تلك,فلم يصل إلينا من سيرة بشار سوي نذور متفرقة,ولم يتم جمع ديوانه إلا عن طريق مجهود فردي من الشيخ محمد الطاهر بن عاشور,وديوانه هذا المجموع من مخطوطات ووثائق,فيهما الممسوح,والمفقود,والمقطوع.
فنحن أمام شخصية من الممكن قول فيها أي شئ,ونسب إليها أي كلام,فشخصية بن برد,مضطربة,متقلبة,تقول الشئ وعكسه,فهو مرة يفخر بالعرب,ومرة بقومه من الفرس,وثالثة ينسب لله وحده العظمة,ويمدح المهدي ويذمه,يكتب قصيدة هجاء لمن يظنه سيُهزم وحين ينتصر يغير فيها لتصبح مدحاً,يمدح واصل بن عطاء وتتقارب نفوسهما وأهدافها,ثم تتباعد حتي يوّد ابن عطاء قتله!
أكثر من هذا...ولا نجد من يخبرنا عن بشار,بشار الذي كان صنيعة عصره,وتشكيلة من يد زمانه,وخليط من دماء عربية وفارسية وثقافتين,جهر بواحدة وافتخر بها في فترة,ونادي بأخري وحقر من الثانية في مرحلة متقدمة من عمره,هناك نقاط أري أنه يتشابه فيها مع الموهوب العبقري نجيب سرور مهضوم الحق,المُعتم عليه بمؤامرة استمرت حتي بعد موته...وبشار أيضاً تعرض لمؤامرات من أعداؤه وقد شاركهم فيها بحدته وهجائه وعدم تقلبه بين الملل و المذاهب.
هل كل ما وصلنا عن بشار منسوب إليه هو له؟
هذا السؤال لا بد أن يعمم علي كافة الشعراء,وأول من لفت الانتباه لذلك المعري لكن بلمحة ذكية؛لإدراكه خطورة ما يقول وما يترتب عليه  من آثار قد تقلب كل التاريخ وتعيد تشكيله,ثم جاء طه حسين بنفس النداء لكن بصوت جهير وقوي وشجاع.(يُقال),أن هناك الكثير من الشعر المنسوب لبشار وضعه أعداؤه لينالوا منه عند الخليفة,ومن أمثلتهم علي ذلك:" الأرضُ مُظلمةٌ ، و النارُ مُشرقةٌ و النارُ معبودةٌ مُذ كانتِ النارُ",الخليفة المهدي قاتل بشار لأسباب عدة من بينها حلم في نفسه لا أساس له,قتل علي الشك في الزندقة,وجعل لها عامل يسمي عامل الزندقة,وبشار يري أصحابه ورفاقه يلقون في للموت بتهمة الزندقة,أكمه,خائف من العقاب والوشاة,ربما كان كراهية العرب والخليفة وعصره وزمانه نشبت في نفسه بلا فكاك,كرههم فعلاً؛ولذلك احتقرهم,فقال فيهم كلهم شعراً بمفهوم التقية والتلاعب اللفظي.
اللغة تعبير عن الأفكار,ولو فهمنا الأفكار سنفهم اللغة,المشهور في تلك المسألة والتي يتناقلها القائلون عن بشار وربابة جاريته تلك الأبيات:" ربابة ربة البيت تصب الخل في الزيت

لها عشر دجاجات وديك حسن الصوت
وتلك الألفاظ والمعاني غريبة علي شعر ومعاني بشار,تلك التي قالها في الهجاء العنيف,والغزل الصريح,والمدح والتفخيم,سنعتبر أن تلك الأبيات من شعر بشار,وسنضعها تحت بند التحقير,وسنترك الحكاية الشهيرة عن الجارية وبيضها ودجاجها,وسنتوجه بها للخليفة,فهو رب البيت العباسي الكبير وخليفته المهدي,ووزيره بين الرق والعود والربابة من الممكن أن تفهم كأداة موسيقية وكسحابة وكخادمة,وكتحقير وتأنيث للخليفة-والتأنيث لفظ تفخيم وتعظيم وأصالة-لم يكن قديما هناك نقاط علي الحروف,بالطبع ليس هناك عندهم تشكيل لها,قد يكون قصد أن الخليفة يدلق خلانه وأحبابه في جحيم ونار القتل والتعذيب علي الزندقة,والعشر دجاجات ربما قد أراد بها حاشية الخليفة ورجاله المقربين,وأراد نفسه بالديك حسن الصوت,فهو مادحه المتصايح بفضائله و عظمته.
وقد قال بن برد في خادمتيه ربابة,وأخري من الممكن أن تكون هي من مشت في جنازته,وغيرهم من النساء,لكن تلك الأبيات الغريبة هي ما تلفت النظر لو وضعنها أمام قصائده الأخري.
نحن كل هذا في مدار الظن والحدس والشعور؛لقلة المعلومات المتوفرة عنه,ولا نريد أن نغتر بتلك المكرورات والنقولات الواحدة عند كل مؤلف,وتناقض شخصية بشار مع تقلبات عصره الظاهرة والباطنة,صنعا من سيرته مادة خصبة للدس والتزوير,وتركا التخمين والإحساس يقودان من يبحث عن بشار في شعره وعصره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق