الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

مصر التي في الحلم



مصر التي في الحلم
رأيت فيما يري النائم,عقب ظلام شملني حين أغمضت عيني,أنني أسير في شوارع مدينة تشبه المدينة التي أعيش فيها,لكنها ليس هي...قطعاً ليست هي.
نزلت من المنزل ومررت بالرصيف,حيث اعتاد شحاذ أن يجلس آخر الرصيف,لكني لم أجده,أرسلت بصري متأملاً ما حولي بدهش وغرابة,فوقع علي رجل أنيق يرتدي,هممت أن أسأله عن الشحاذ,ثم ترددت من غرابة السؤال,وفي النهاية عزمت,اقتربت منه,حين شعر بي أمامه رفع رأسه من علي صفحات كتاب انهمك في قراءته:"لو سمحت,كان فيه هنا شحات دايماً بيقعد هنا....!"
ألقي عليّ نظرة متفحصة,وقال متعجباً في سخرية خفية:"هو حضرتك كنت نايم يا أستاذ بقالك كتير؟!شحات إيه وبتاع إيه!هي بلدنا فيها شحاتين برضه؟!إنت جاي من بداية القرن الواحد وعشرين ولاإيه؟!"
تمتمت بكلام غير مفهوم وانصرفت,بعد أن أدركت ملامح الشبه بين وجه الأنيق والشحاذ,في أثناء سيري لفت انتباهي النظافة التي تكسو كل شئ,الصحة البادية علي وجه الجميع,العمل القائم في كل شبر,الابتسامات المتبادلة بين الأفراد,النساء المتحررات كأنهن في أوروبا,رائحة العطور القادمة من المنازل....لم تكن يوتوبيا,لكنها كانت بلد تعيش فيها إنساناً.
توقفت أمام مدرسة ثانوية,لا توجد علي لافتتها تذييل أنها للبنين أو للبنات,كان الطلبة بدأوا يخرجون من امتحان علي مايبدو,استندت إلي الحائط بجوار فتي وفتاة يراجعان الاسئلة في سرور باد,وكعادتي بدأت في طرح الأسئلة"هي دي مدرسة ثانوي ياشباب؟"نظرا لي في فضول كأني شخص قادم من المريخ,وظهر علي الشاب عدم الارتياح,تطوعت الفتاة بالإجابة,وهي تعدل من خصلات شعرها"أيوة يا فندم..آسفة..بس هو حضرتك مصري؟","آه",تبادلت والشاب نظرات متفاجئة,"مستحيل!!مصري وما بتعرفش تقرا؟!إحنا دولة مافيهاش إنسان أمي",تذكرت ما رأيته في الجامعة من أمية كتابية وثقافية متفشية في كل المشاركين فيما يسمي العملية التعليمية,وهي في الحقيقة"حيونة"المراد منها"حيونتنا",وسلبنا عقولنا وإنسانيتنا,وما كان يغيظيني شخصياً أن هناك من يصدق فعلاً أن الهراء الذي نتلقاه,"علم",وأن تلك"جامعة",والجامعة كما أعرفها مركز إشعاع حضاري!!,وليست مكان يتم تصنيع فيه الجهل,وصناعة جاهل يحمل شهادة تقول أنه متعلم ويصلح لمهنة كذا في الدنيا,وأنا أري أشخاصاً من المفترض أنهم يشغلون وظيفة"أستاذ"من الضحالة في كل شئ,ولو كشفت ضحالتهم يستقصدونك,وتصبح لهم عدواً,ففي عالم الجهل يغدو المتعلم إزعاج يقض مضاجع العقول المظلمة..."يا أستاذ حضرتك إزاي مصري ومابتعرفش تقرا؟!"أعادني الشاب من عالم الذكريات,"لا أنا بعرف أقرا,إنما أنا يعني لا شايف ناس بتصرخ ولا ناس مغمي عليها ولا أمهات قاعدة عالرصيف تعيط ولا...."قاطعتني الفتاة بضحكة صافية أنعشت قلبي الحزين"إيه ده!هو إحنا جايين نتعلم ونفيد بلدنا,ولا داخلين معركة,إحنا سمعنا أنه كان فيه الحاجات دي زمان,لكن حضرتك شكلك صغير ماحضرتش الكلام"لم أشأ أن أقول لهما,أني أيضاً أري اختلاطاً بين الجنسين في مدرسة ثانوية واحدة,حتي لا تكشف نبراتي ونظراتي عن مشكلة نفسية ناتجة من هذا الفصل,بقيت معي حتي الآن,تأملتهما في سعادة وتمنيت لهما مستقبل أفضل وحياة أرقي من حياتي التي عشتها في حظيرة كبيرة,خرجت منها حماراً,نظرت لعين الفتاة وتأكدت أن تلك الصبية,تري ماستفعله جيداً,ولن يعوقها شئ عن تنفيذه,والشاب وهو يحادثها بلطف,وعلي وجهه إمارات العزيمة,فانسحبت من بينهما في تخاذل وأكملت طريقي.
وقبل أن أذهب إلي عامل نظافة,لم أنتبه لكونه عامل نظافة سوي برؤيتي مصادفة لشعار الشركة علي ملابسه,منعني من فضولي وهوايتي في طرح الأسئلة استيقاظي المباغت علي صوت ضجة خناقة حامية قامت في الشارع,ارتديت ملابسي ساهماً داعياً الله أن أحلم هذا الحلم علي حلقات متصلة,ليكون الليل أرحم من النهار,ولم أجرؤ علي الدعوة لتحقيق الحلم؛أولاً:بسبب كوني سُلِبت القدرة علي الحلم من الأساس,فلم أطمع في الأحلام فضلاً عن تحقيقها,ثانياً وللأسف:شخص مثلي كيف سينتقل فجأة من الحظيرة إلي الحديقة,ثالثاً:الناس الحلوة التي تنتظر نصيبها من التهام أحلامي وقدراتي وطموحي,أسيبها لمين؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق