الخميس، 17 مايو 2012

رجاء النقاش...العازف كتابةً


رجاء النقاش...العازف كتابتةً
 
كاتب يحمل حب جارف للإنسانية وعشق متفرد للثقافة وقلم سيمفوني يعزف بكل الحالات الموسيقية,هو ممن علموني كيف أتوصل للإنسان وأتواصل معه,كيف أفهم الأدب وأتذوقه.عام 2008 عام رحيله لم أكن قد سمعت عنه شيئاً بعد,لم أعرف-بحكم صغر سني- أن هناك كاتب يدعي رجاء النقاش صاحب قلب كبير تنبض كلماته بالحب والصفاء,ورؤية إنسانية عابرة للزمن وللأحداث,لا متي ولا كيف تعرفت عليه,لكنه أصبح صديقي,دون أن يعرفني أو أقابله,وهكذا يكون الكاتب الحقيقي,لا يرتدي عباءة الواعظ أو يأخذ سمت المعلم,بل يجلس معك مفكراً حيناً ومتأملاً حيناً,يحاورك ويناقشك ليصل معك إلي نتيجة لا يفرض رأياً أو مشورة,لا يمارس الوصاية الفكرية علي القارئ.هل ظُلِم النقاش؟
بنظرة سريعة غير متعمقة نجد أن معظم المثقفين (الحقيقيين) قد ظُلِموا ظلم بيّن,وإذا تعمقنا سنجدهم إما أغتيلوا بطريق غير مباشر أو دُفِعوا إلي الإنتحار,ولكن النقاش بقلبه الكبير العامر,إستطاع أن يتخطي صدمات كثيرة,بعضها عام وبعضها شخصي,بإيمان شديد وصبر يُحسد عليه قلما يتوفر لأحد في عصر المادة المتوحشة.
 النقاش يستحق أن يعاد التذكير به في كل مناسبة تمسّه,فللرجل إنجازات لا تحققها مؤسسات مجتمعة,فهو أحد رواد الصحافة الثقافية المعاصرة,ولا تزال آثاره حتي الآن باقية تنهل منها وتتعلم الأجيال المتلاحقة.

من أشار علي محمود درويش وهو يتلمس خطاه الشعرية,في ظروف بالغة الصعوبة, وصاح:أنظروا,هذا شاعر....شاعر حقيقي,سيُخلد في الوجدان العربي؟من أعاد إكتشاف موسم الهجرة للشمال للطيب صالح وقدّمها للقراء بعد أن سلط قلمه عليها؟من تحدث عن شاعرة تكاد أن تكون مجهولة تدعي ناهد طه عبد البر ونبّه القراء إليها؟من سجل مع العظيم نجيب محفوظ سيرته الذاتية,التي غاص فيها بمجهود عاشق درويش لنجيب محفوظ وأدبه؟ الإجابة:رجاء النقاش
ذلك كله نقطة من بحر لهاوٍ لم يعرف الرجل حق المعرفة,لكني أودّ أن أتوقف قليلاً أمام علاقته بمحفوظ.كل من يقرأ لنجيب محفوظ قراءة واعية,بروح محبّ للأدب لامفر له من الوقوع عاشقاً متيماً لأدبه العظيم,فحين يقرأ النقاش لمحفوظ ماذا سيحدث بين الرجلين,محفوظ بعقله الذي يسّع العالم,وروحه السامية المترفعة عن الأحقاد,ورؤيته الخبيرة لنفوس الرجال,والنقاش بقلبه الكبير وحبه الجارف للإنسان في كل مكان,وذكاؤه العالي,وثقافته العميقة؟
سينتج عن ذلك أعمل تتحدث عن نفسها مثل في حب نجيب محفوط ونجيب محفوظ صفحات من مذكراته وأضواء جديدة علي أدبه وحياته.قارئ تلك الأعمال لن يقبل الحديث عنها فقط يستمتع ويتعلم منها,فهي تصحبك من يدك؛ لتجلسك في حضرة نجيب محفوظ يحدثك وتسمع منه,وتتقلب في كافة أطوار حياته,فتكون مع محفوظ الطفل والصبي والشاب والرجل والشيخ....كل ذلك دون أن تلمس وجود النقاش,فقط ستعر بروحه وأنت في حضرة الجلسة المحفوظية .
كتابته نفسها أمر آخر تحمل بداخلها تكوينات مختلطة يجمعها أمر واحد....الشعور الإنساني.يتفوق النقاش علي شخصه البشري حين يتحدث من قلبه,فيدخل قلبك مباشرة دون المرور علي مصفاة عقلك,فأنت طوال الوقت هناك هاتف داخلي يؤكد لك:هذا الرجل صادق,حتي ولواختلفت معه,فصحبة الصادق قد لا تجدها أبداًّ!
بعث له محمود درويش برسالة قال فيها: "نحن مدينون لك لأنك لم تكف عن التبشير النبيل بالمواهب الشابة وعن تحديث الحساسية الشعرية والدفاع عن الجديد الابداعي في مناخ كان ممانعا للحداثة الشعرية ومدينون لك لأنك ابن مصر البار وابن الثقافة العربية الذي لم تدفعه موجات النزعات الإقليمية الرائجة إلى الاعتذار عن عروبته الثقافية."

وقد تعلم من الأديب العظيم تشيكوف الذي يشترك معه في حب البشرية جمعاء:"إن كان في وسعك أن تحب,ففي وسعك أن تفعل أي شئ"

وقد فعل النقاش كل شئ...يكفي أن من كان مثله يموت فقط بجسده وتظل كلماته تنبض بالحياة كأنها قادمة من...المستقبل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق